أبحرنا مع العقاد فأغرقنا معه، أنا الغريق فما خوفي من البلل؟
تمر بك آلاف الاقتباسات مر السحاب.
إلا اقتباسا عاصفا يعصف بك، ويحملك معه، جاثما على صدرك، يتكلم بلسانك وقد استبد به، يلهج به، ويطرب معه، وصار نشيده وأذكاره، لا تقابل أحدا إلا صار موضوع حديثك معه، ولا جرى الحديث في سياق إلا جررت الحديث إليه طوعا أو قسرا.
هنا أنت لا تقتبس، هنا أنت غارق في الاقتباس غامسا فيه روحك ومعارفك.
هنا الاقتباس يفعل فعلته وقد أضحى بضعة منك، لحمك ودمك.
لعلك بالغت!
مثل ماذا؟
مثل هذا، الذي كان في ذيل المقال السابق، وهي حال نوادر الدهور، وفلتات الأزمنة، هو كالمشي برؤوس الأصابع على الصراط فوق الجحيم:
وقد استطاع الأستاذ أدهم أن يعجب بالساخر أناتول فرانس دون أن يعدى باستخفافه
وأن يعجب بالمتشائم ليو باردي دون أن يتشاءم مثله
وأن يعجب برجال العزم دون أن ينسى فضل التردد في تكوين الأفكار.
وتلك علامة واضحة من علامات الفكر المستقل الذي يستطيع أن يفتح نوافذه لجميع جوانب الحياة، دون أن يستغرق في جانب منها أو يعطيه فوق حقه من التقدير.