د. فؤاد بن يحي الهاشمي
الاستغراق الروحي بفقرة من كتاب وما يستثيره من الأحاسيس، وما يجيش به الخيال، وما يثور به الأفكار، خير من قراءة حمل بعير من الكتب.
كل الكبار من العلماء كل المبدعين من الأدباء، لم يقرؤوا أفضل ما كتب، لم يجتمع لأحدهم عباقرة المؤلفين.
كلهم قرأ ما اتفق في بيته، أو أنه كتاب صديقه، أو أنه مقرر المدرسة! أو وجده في دكان القرية أو أنه أهداه له سائق الباص.
لم تتفجر عبقريتهم لأنهم قرؤوا أفضل ما كتب ولكن لأنهم انغمسوا في تلك الكتب.
ولذا تراهم يتغنون بتلك الكتب التي أثرت فيهم ونسجوا منها معارفهم، وإن كانوا يدركون الان أنها ليست بذاك.
فهي كتب ليست من الطراز الأول في قيمتها الذاتية وإنما سمت في سماء أرواحهم لأنها كانت اللحظات الأولى للتخليق المعرفي، فهي الرحم التي نشأ فيها ذاك الجنين.
من المهم: ماذا قرأت
لكن الأهم: كيف كان فعل القراءة؟
هل كانت القراءة مر السحاب؟
أو كانت ملحمة السحاب فأبرقت وأرعدت وملأت أعماقك ضجيجا وصخبا وشغبا.
ولم تلبث حتى سكنت وتخمرت في ذهنك، فأمطر ماؤها في قلمك الساحر، فكان صيبا نافعا ونتاجا مثمرا.
هذه آية {اقرأ} ألم تكن أول ما نزل من السماء؟
ألم تكن أمرا بفعل القراءة؟
ففي تلك اللحظة الفارقة في تاريخ الكون: ضم ملك السماء نبي الأرض، وهو يردد: اقرأ، اقرأ، اقرأ..
كانت ضمة السماء، فهزته هزا، وبلغت منه الجهد والإعياء والخوف، حتى زملوه ودثروه، وارتجت لها الدنيا، وبقيت في الخالدين حكمة وهدى وبيانا.