د. فؤاد بن يحي الهاشمي
نحكم على الكتاب الأسود بالإعدام لفساده، وعلى الأحمر بالنفي لمجونه، وعلى الملون بالافراج مع الاقامة الجبرية والحراسة المشددة، الأبيض فقط هو البريء.
البحث عن الحكم الأخير للكتب هو الذي أفسد قراءاتنا.
نحن لسنا قسم المراقبة في وزارة الصدق والإعلام.
نحن لسنا أوصياء على المجتمع.
بل يجب أن نكون أنانيين هنا إلى أبعد حد؛ كيف أستفيد أنا من هذا الكتاب؟
فهذا الكتاب على زيفه له خيال جامح، وذاك على سفهه خفيف الظل، فيه طيش الإنسان وجنونه وإمتاعه، وعلى قدر ما في ذلك الكتاب من بلايا، فقد أبكاني، أبكاني حقيقة بل أجهشت بالبكاء.
وهذا معنى كل كتاب فيه فائدة، لا تطلب من الكتاب فوق استطاعته، لا تبتغي منه أن يكون على مقاسك، لا ترفع آمالك فيه.
خذ من الكتاب ما يزيد رأس مالك المعرفي، لو كان المؤلف أحمق، لكانت فرصة لتتعرف على طبيعة هذا اللون من الناس.
صاحب الحكم القطعي على الكتب يذكرني بدولة أفلاطون والمثل الملائكية، هو نفسه الذي يحلق في طوباويته بعيدا في الأحلام.
المستغرق في معارفه غارق في ترف فهو ليس عليه إيجار يدفعه نهاية الشهر ولا موظفين ملزم بصرف رواتبهم.
فهو يحلم ثم يحلم وبينهما يحلم، لا يوجد شيء في الدنيا مئة بالمئة، كلنا نسير بالممكن والمتاح وأحسن السيء ومكره أخاك لا بطل.
لكن في العلوم نتلف أعمارنا في الوهم وفي المستحيل وفي الغبي ولا أحد يحاسبنا.